الدولية للإعلام : عزيز مفضال
من زحمة انشغالاته بمداومة التداريب والمتابعة اليقظة لسيرورة الحركة المسرحية والحضور المكثف لفعاليات المهرجانات والملتقيات المسرحية، انتشلنا المخرج المسرحي بوسرحان الزيتوني طمعا في انتزاع بعض الومضات من وهج الفكر والإبداع
لقد كان الرجل سخيا بوقته، دون أن ينأى عن هواء الخشبة الذي يتنفسه، ليمدنا بهذه السطور التي تؤرخ عمر اللقاء – الحوار الذي كان لنا معه
كلمة تختصر للقارئ سيرة المخرج المسرحي بوسرحان الزيتوني
بوسرحان الزيتوني من مواليد 1958 ، ساهمت في زمن المسرح المغربي الذي عشته وأعيشه بما استطعت من انتاجات اعتقدت فيها، حملتني ورفقاء الدرب مع كل الذين حملوا المسرح المغربي، منذ وعيته ومارسته الى الآن. أظن أن المسرح منحني الكثير وأهم ما منحني هو أني تعلمت بعد تجارب عدة فيه : الحب، المسرح حب أن تعيش وتقول وتغير وتتغير وتنحت وتذوب . أن تمنح ابتسامة لذات تجلس في الظلام ، وتمسح عنها دمعة وتشعل خيط ضوء قد يقودها نحو وعي اكثر بذاتها. هكذا أفترض حياتي، ما حققته فعلا وحلما ، بكل النجاحات القليلة والاخفاقات الكثيرة
كيف عرف المسرح طريقه إليك ؟؟
كما يتسلل السحر تسلل المسرح في حياة المراهق الذي كنته سنة 1974 .. كنت أتردد على دار الشباب قرية الجماعة بسباتة بالدار البيضاء ، وكنت أراقب ما يجري بفرق كانت تشغل الحياة المسرحية وقتذاك، فرقة الطلائعي بقيادة المخرج المسرحي ابراهيم وردة وفرقة أوسكار مع الفنان المنزوي في النسيان : محمد الطبعي وفرقة رضا المسرحية بقيادة المرحوم صالح العسري. أحببت المسرح من خلف زجاج القاعات التي كانت تحتضن التداريب. وبدات أقلد ذلك، ثم بدات أنجز ذلك ما ظننته في ناد مسرحي اسميته نادي الزهور، ثم نقلت التجربة للاعدادية التي كنت أدرس بها... ومن تم سجنت في أحضان المسرح وصار بوابة تعبيري عن ذاتي وعن الدنيا التي أعيش فيها
أسست فرقا ورسخت فيها معالم رؤية إخراجية خاصة. قراءة سريعة في الإنجاز؟؟
كانت الفرقة الوحيدة التي احتضنت تجربتي المسرحية هي فرقة فضاء اللواء البيضاوية التي اندمجنا معها، والتي كان تاسيسها يعود الى المسرحي محمد الجعفري سنة 1985 ... وقد توليت ادارتها الفنية وقليلا ما توليت رئاستها منذ 1986 . ضمن هذه الفرقة تعلمت المسرح وتقاسمته مع جيل كامل من الذين التحقوا بها، وساهمنا داخل حقل مسرح الهواة بأعمال مسرحية ، لحسن حظنا ، كانت تجارب متميزة منها سنة 1987 مسرحية ليلة بيضاء وسنة 1988 / 1989 مسرحية ماض اسمه المستقبل تأليف محمد تيمد، وسنة 1993 مسرحية لعب الدراري
بعد أن تغيرت العديد من الظروف واتساع رؤيتنا العامة للحياة المسرحية الوطنية والتي تغيرت الرؤية اليها بعد المناظرتين الوطنيتين الخاصة بالاحتراف وبالهواة ، ومجيء حكومة التناوب، واضفاء نوع من الديموقراطية على منح الدعم المسرحي ةكسر دائرة الاحتكار التي ظلت تكبله لسنين طويلة، تحولت تجربتنا نحو الاحتراف وتغيرت في السياق اسم الفرقة الى فضاء اللواء للابداع ... ويشهد المسرحيون المغاربة الذين جايلوا التجربة على حيوية ما قدمته مع اسماء يشكلون الان واسطة العقد في الدراما المغربية من هؤلاء الفنانين الكبيرين كمال كظيمي وأمين الناجي والفنانة المتميزة فاطمة الزهراء بناصر والمرحوم الفنان سعيد طنور والفنان المهاجر محمد الحبيب الأزهر البلغيتي، وفنانين أكملوا معي المسار والمسيرة من أمثال : الفنان عبد اللطيف خمولي وجواد العلمي ويونس شارا ومحمد لعبابسي ووليد مزوار وفاطمة شتوان ودليلة والتابعي ... ومن الأعمال التي قدمناها في هذه المرحلة الى الآن : مسرحية السيبة 2001 ومسرحية ترانزيت 2002 وخفت ارجل 2004 ومسرحية حديث ومغزل 2005 ومسرحية الريح 2006 ومسرحية جمرة 2007 ومسرحية يوليوس قيصر 2009 ومسرحية واكل مخو 2010 ومسرحية أوسويفان 2013 و مسرحية جروح سنة 2017 وجيل شو سنة 2017 والرامود سنة 2018 وبويا عمر سنة 2019 ومسرحية السي والو سنة 2021
في دروب كل تلك السنوات ساهمت في تأطير المسرح المدرسي وأخرجت أعمالا لفرق وطنية، مثل مسرحية جروح مع فرقة أريف من الحسيمة سنة 2017 ومسرحية راس الخيط مه فرقة فضاء القرية للابداع وومسرحية حنطلة بالأمازيغية مع فرقة تافوكت ومسرحية الرامود مع فرقة رواد الخشبة من بركان
لا أستطيع أن أدعي أن لي رؤية خاصة، فهي رؤيا تنحو باستمرار نحو نمو متسارع ، وكل تجربة مسرحية كانت تكشف لي عن دروب جديدة، وتفتح أمامي أفاق اخرى تفرض علي أسئلة مستجدة. المهم أني كنت دائما منفتحا عن كل جديد مسرحي ومؤمن بأن المسرح لا يمكن الا أن يكون متحركا متحررا في الأشكال والمضامين ومسالك معالجتها ، إنه فن التغير
ما منظورك لثنائية الهواية – الاحتراف؟؟
لسوء الحظ أن الممارسات المسرحية المغربية قد قتلت في الوعي وفي الممارسة قطاع الهواية المسرحية، فقد خلق الواقع المستجد بعد المناظرة الوطنية للمسرح بداية التسعينات من القرن الماضي وادارة الدعم المسرحي بدءا من 1998 . لقد اصبح الهواية وكانها صورة عن البدائيةن شيء يتم التحرج منه. الكل أصبح يدعي الاحتراف ، وأصبح الحصول على الدعم المسرحي وكأنه اعتراف بذلك
لا نملك مسرحا محترفا ، هنا فرق قليلة محترفة فعلا في وهناك محترفون، أغلبهم اتجه للتلفزيون. لهدا لا أعتبر وجود ثنائيتين ، بل خط ثالث قد نطلق عليهم احتراف الهوية أو هواية الاحتراف
الحركة المسرحية والمهرجانات: أي حصيلة؟
تغتني الحركة المسرحية بمزيد من خريجي المعهد العالي والتنشيط الثقافي ، وتبرز ضمنها طاقات فردية متميزة بقيادة أسماء كبيرة نذكر منهم الفنان المبدع محمد الحر والفنان أمين نسوروأمين بدريقة وبوسلهام الضعيف والفنان يوسف العرقوبي والفنان أسماء هوري والفناة نعيمة زيطان ... وغيرهم كثير ، ممن يقودون الآن مغامرة جميلة للأسف لا يسعفها الواقع الشحيح والضيق الذي تمشي فيه تجربتنا
بالنسبة للمهرجانات، فقذ لعبت دورا هاما في منح مساحات للعرض المسرحي الوطني مما سمح له باختبار تجاربه مع جغرافيات بشرية مختلفة وتتسع. لكن بعض المهرجانات أصبحت عبئا على التجربة المسرحية اذا لم يتم اعتبار المهرجان سوق عرض والعرض المسرحي مادته، يتم شرةاؤها وبيعها، لأنها بذلك تعيش التجربة ويعيش العاملون بها
في هذا السياق أحب أن أذكر مهرجانات بنت تجربتي وتعلمت فيها الكثير مهرجان اللقاء الوطني للمسرح لفرقة رواد الخشبة بمكناس ومهرجان الملتقى الوكني للمسرحي بأكادير لأنور سوس بأكادير
ما الذي يغريك في تجربة الإخراج؟ وما طبيعة الإخراج الذي يشد اهتمامك؟ بعبارة أخرى: أتفضل أن تكون مخرجا مؤلفا أم مخرجا منفذا أم مخرجا معدا أم مخرجا مبدعا؟
ما أغراني منذ البداية أني اعتقدت ان المخرج المسرحي هو سيد العرض، الصوت الذي لا يعلو عليه صوت، هو المهندس الذي يحرك الاشياء والأشخاص ويتحكم بالمصائر والسيرورات. لكن مع توالي الزمن ونضج التجربة، صار الاخراج عندي حضنا لمجهودات شتى ، جهود الممثلين والسينوغرافيين والتقنيين والجمهور أيضا، وأني من موقعي أرسم معهم وبهم فرجة للقول والفعل وبهما معا. اني أكتب كما أخرج لمن يكتب كما يمثل لجمهور يعشق ما نكتب وما نقدم