يعيش الجزائريون أوقاتًا صعبة خلال العامين الأخيرين على أكثر من صعيد؛ فالرئيس غائب عن المواطنين منذ أكثر من شهور، والحكومة تعمل على سن وتشريع قوانين تساهم في إضعاف القدرة الشرائية للمواطنين بعد انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، وهذا في محاولة منها لتعويض الخسائر الخارجية في النفط بضرائب داخلية تعوض الخسائر من جيوب المواطنين
عرفت الجزائر تحولات كبيرة على المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني، فالاحتجاجات الاجتماعية زادت حدتها والإضرابات متواصلة في أكثر من قطاع عمالي، بالإضافة إلى التغييرات التي مست المناصب الحساسة في أعلى هرم المؤسسات الأمنية والعسكرية، وزيادة الأسعار على المواطنين بسبب سياسة التقشف وانهيار الدينار الجزائري مقابل الدولار الأمريكي
ويتخوف غالبية الجزائريين ، بعد تمرير مشروع المالية الجديد وطرح قوانين جديدة في هذا الاتجاه، بالإضافة إلى حمى الاستقطاب التي تعرفها الانتخابات التشريعية والمحلية المنتظرة ، والصورة الذهنية السلبية عن الممارسة السياسية لدى قطاعات واسعة من المجتمع، وهنا يطرح السؤال: كيف يستقبل الجزائريون العام الجديد؟
قانون العمل الجديد يشعل الاعتصامات والاحتجاجات
تعرف الجزائر هذه الفترة إضرابات واعتصامات واحتجاجات حول قانون التقاعد، الذي تعتبره النقابات اجحافًا في حق العمال، في حين تدافع عنه الحكومة باعتباره مكسبًا للمواطنين وليس للنقابات التي اتهمتها بالانخراط في مسعى سياسي للإطاحة بالحكومة، وقال وزير العمل بأن النقابات والأحزاب السياسية تعمل على «تغليط الرأي العام» بخصوص القانون الجديد، وأضاف الوزير محمد الغازي أن قانون العمل لعام 1997 قُبل بسبب ضغوطات صندوق النقد الدولي وفق شروط جدولة الديون، التي كان على الجزائر تسديدها على إثر الأزمة الأمنية خلال العشرية السوداء
وشهدت ساحة البريد المركزي بالعاصمة الجزائر خلال الأيام الأخيرة، احتجاجات واسعة واعتقالات من قبل الشرطة الجزائرية للمحتجين بمختلف القطاعات العمالية في الإدارة والتربية والتعليم والصحة، ودعت النقابات المستقلة في وقت سابق إلى إضراب وطني يشكل جميع الوظائف في الهيئات والمؤسسات العمومية في البلاد، وقال التكتل النقابي أن الاستجابة للإضراب كانت واسعة حيث وصلت إلى أكثر من 70% في الكثير من القطاعات، في حين أعلنت الحكومة أن الإضراب لم يمس سوى 8% من مجموع العمال.
مشروع المالية الجديد يخرق الجيوب بقوة القانون
قررت الحكومة الجزائرية الاستمرار في سياسة التقشف التي تنتهجها منذ قرابة عامين، واعتمدت هذه السياسة بعد أزمة انهيار أسعار النفط العالمية المفاجئة، وهي سياسة لقيت انتقادات واسعة من المعارضة داخل البلاد، في حين عملت الحكومة عبر علاقاتها الخارجية والدبلوماسية على رفع أسعار النفط بعقد اجتماع لمجموعة «أوبك»، وهو الاجتماع الذي وصف على الصعيد الرسمي الجزائري بالناجح، فقد حقق نسبيًا ارتفاعًا جزئيًّا في الأسعار.
وزاد قانون هذا العام الكثير من الأعباء على المواطنين البسطاء، والذي تطبق الإجراءات المالية الخاصة به ابتداءً من العام الجديد الفاتح من يناير ، وبموجبه ارتفعت الضرائب على السلع الاستهلاكية والخدمات الإدارية بنحو 20% إلى 40%، بالإضافة إلى عدم وجود أي قانون يقلص من النفقات والأعباء على المناصب العليا في الحكومة، كإجراءات الامتناع عن استعمال الوسائل العمومية والخدمات الحكومية للوزراء والإطارات السامية في الدولة، أو تخفيض رواتبهم بما يتماشى وإجراءات الترشيد والتقشف التي تتطلب في نظر العديد من المراقبن، تضامنًا أفقيًا وعموميًا مع الحكومة الجزائرية
قانون المالية مرحبًا بعهد الماء والخبز» وهي إشارة إلى دخول سنوات عجاف على الجزائريين، حيث ينتظر ذوو الدخل الضعيف والمتوسط عام تقشف بامتياز، يمكنه أن يقود إلى احتجاجات اجتماعية كبيرة، وهذا ما جعل الحكومة من خلال رئيس البلاد بوتفليقة تُأجل مشروع قانون العمل إلى ما بعد عام 2022، وتجمد المقترح خلال هذه السنة وتكبح العمل به، وهو ما يعتبر خطوة نحو تهدئة الشارع الجزائري الذي لم يتعود على تحمل الانخفاض المستمر للقدرة الشرائية واستحالة عودة أسعار النفط إلى أسعار العهد الذهبي لها قبل خمس سنوات، حسب الخبراء الاقتصاديين والماليين داخل الجزائر وخارجها.
استمرار الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، وهو ما يجعل الانتخابات أداة لبقاء الوضع على حاله لا لتغييره.