الدولية للإعلام
عزيز مفضال

المطبخ المغربي غني بأطباقه وحلوياته، حتى لَتكادُ تكون لكل مدينة أو جهة أطباقها وحلوياتها، لكن هناك حلويات توحد المغاربة في بعض المناسبات، فلا يمكن تصور مائدة فطور مغربية في رمضان مثلا مهما كان مستوى أهلها دون الحريرة والشباكية، الطبقان التوأم اللذان لا يحلو فطور دونهما

إنها الشباكية، المخرقة، الزلابية،كويلش... أسماء تختلف حسب الجهات. لمسمى واحد يعتبره بعض المغاربة من شروط الإفطار

ولكن قلما تساءل المغاربة عن أصل هذه الحلوى، كيف صارت لها هذه المكانة في شهر رمضان دون غيره من المناسبات، وهل هي حلوى مغربية المنشأ أم هل هي حلوى وفدت على المغرب واستطاع المغاربة تكييفها مع ثقافتهم وحضارتهم فصارت جزءا من هويتهم الغذائية؟

ما أن يهل شعبان ويقترب حلول رمضان حتى يتقاطر المغاربة على متاجر البقالة لاقتناء لوازم تحضير الشباكية، وتتناسل محلات صناعة هذه الحلوى العجيبة

في قلب المدينة العتيقة بمكناس، يستقبلك طابور من الناس ينتظرون دورهم ، أمام محل دار البوعناني للحلويات التقليدية بمكناس؛ خلافة لأبيه الحاج مولاي أحمد البوعناني رحمه الله المعلم والبارع في صنع الحلوة الشباكية والفلالية وكعب الغزال والفقاص، و أخيه مولاي إدريس البوعناني، صاحب منزل سيدي اعمرو بوعوادة الخاص باعداد وبيع كل أنواع وأشكال الحلويات. فالشاب نبيل البوعناني تألق في الحرفة وحمل المشعل وآشتهر بالمدينة الاسماعيلية مكناس بأنامله الذهبية في صنع الحلويات؛ هو مشهد مألوف يتكرر مع اقتراب كل رمضان حيث يتجمهر عدد كبير من الناس باحثين عن ضالتهم وهي الشباكية التي تقلى أمام أعينهم، ليلفها البائع في ورق أبيض ويرش عليها حبات السمسم ويقدمها للزبائن

مولاي إدريس صانع توارثها أباً عن جدٍّ، حيث يقول في حديث للدولية للإعلام بأنها تمتاز بمذاقها الحلو و أن لاحياد عنها ويكثر عليها الإقبال حتى في بعض مواسم الصيام في شوال أو الأشهر الحرم. وبالرغم من تطور محلات مع هذه الحلوى، يبقى منزل سيدي اعمرو بوعوادة بالمدينة القديمة هو ملاذ المئات من سكان مكناس وزوارها، لجودتها وطراوتها ولأثمنتها المناسبة

يعود المحل لعائلة البوعناني منذ 60 سنة ، حيث كانت تصنع هذه الحلوى على يد الرجال لتباع للصائمين في رمضان أو غير رمضان. ويقول البوعناني: نصنع "المخرقة" وهناك من يطلق عليها اسم الشباكية، لكن الشباكية تختلف في عجينها وشكلها فهي تعد بخليط أخف وتكون على شكل دائري كبير

ثم هناك البريوات، وهي كلها حلويات رمضانية بامتياز يقال إن أصلها من الشام وتسمى "القطائف"، وترتبط بكل المعجنات التي تقلى في الزيت وتغمس في العسل، دخلت إلى المغرب عن طريق نزوح الأندلس في القرن 15 إلى فاس و مكناس وعدد من المدن المغربية الأخرى. اختصاصنا هو الشباكية والبريوات وهي من حلويات المغاربة منذ مئات السنين ونحرص أن نكون في الموعد كل رمضان، وكل يوم لكن في رمضان يكون الطلب أكثر حتى بالنسبة للمغاربة المهاجرين الذين يأخذونها معهم قبيل الشهر الكريم إلى ديار المهجر

ورثت حرفة صناعة حلوى الشباكية التقليدية، هكذا يحكي نبيل البوعناني أشهر بائع في مكناس، عن أسباب صيته الذائع، حيث يضيف المعلم نبيل إن ما يجعله قبلة لكثير من الزبائن هو تميزه بالحفاظ على أصالة الحلويات المتنوعة التي يقدمها

للتذكير، تعد “الفيلالية” أو “الحلوى الفيلالية” من الحلويات التي لا يمكن أن يتذوقها المرء إلا بمدينة مكناس، وإن كان أصلها يعود إلى مناطق الصحراء، إذ استقرت بالعاصمة الإسماعيلية للمملكة وأضحت تؤثث موائد الإفطار لدى الكثير من الأسر المكناسية خلال شهر رمضان

ولا تخلو محلات بيع الحلويات بمدينة مكناس من عرض “الفيلالية” على الزبناء، إلى جانب باقي أنواع الحلويات، مثل “الشباكية” و”كعب غزال” و”المقروطة” و”البسطيلة” و”الزميتة”، وكذلك “الورقة”، التي تعد المادة الأولية الأساسية التي تدخل في صناعة “الحلوى الفيلالية”

وحسب المعلم نبيل، فإن حلويات مكناس لها طيبة خاصة، بحكم تميز المدينة بصناعها المتخصصين في صناعة الحلويات أبا عن جد، ونظرا لكون صناعة الحلويات بالمدينة تعد تراثا قديما، كما هو الشأن بالنسبة للحلوى “الفيلالية”.

المعلم مولاي إدريس ، في هذا اللقاء ، ذكر أن الرواج في رمضان يكون مرتفعا على “الورقة”، وخاصة في الأيام الأولى منه، كما أبرز أن من بين أصناف الحلويات التي تلقى إقبالا كبيرا في هذا الشهر الفضيل الحلوى الفيلالية

وعن فوائد الحلوى “الفيلالية” أفصح بأنها لا تعد ولا تحصى، نظرا لما تحتويه من مكونات صحية ومغذية، من بينها السكريات والدهنيات، فضلا عن المنشطات الضرورية لجسم الإنسان، ما يجعلها أكلة، بحسبه، مهمة خلال الإفطار في رمضان، خاصة أنها تساعد على الهضم.

“نحن نصنع الحلوى “الفيلالية” بأيدينا، يضيف نبيل، وطريقة تحضيرها تتطلب التركيز لجعلها أكثر جودة وذات طعم خاص”، حيث أن تحضير “الفيلالية” يمر بمراحل محكمة، وعند عرضها للبيع يتم تزيين واجهتها بحبوب اللوز و”النافع” حتى يصبح مظهرها جذابا للصائمين

يذكر أن “الفيلالية” تعد من الحلويات التي لا بد أن يتم تقديمها كوجبة رئيسية في مناسبات الأفراح بمدينة فاس، كحفلات الأعراس مثلا، إذ تعطى للضيوف رفقة الفواكه في آخر الوجبة الغذائية، ويتم تناولها مع الزبدة البلدية”، التي تجعلها لذيذة أكثر