الدولية للإعلام : عبدالمجيد رزقو
كنت من أشد المعجبين بشخصيته. كنت أسمع الكثير عنه. ذات يوم وأنا أشتغل بجريدة أخبار اليوم، طلب منا رئيس التحرير، أن نتوجه إلى مقر الفرقة الوطنية بشارع إبراهيم الروداني سنة 2012، حول تفكيك خلية إرهابية، كانت تستهدف زعزعة أمن واستقرار المغرب، وتم القبض عليها في إطار العمليات الاستباقية التي ولا زالت تقوم بها الفرقة الوطنية.
ترتبك عندما يطلب منك مسؤول عن العمل، مثل هذه الأمور لأول مرة، وأنت حديث العهد بالصحافة، لتتكلف بهذه المهمة الجسيمة، فتتساءل من أين تبدأ، وماذا ستفعل، لاسيما حين يقال لك هو أمر سري، فلا تخبر به أحد.
قلت لنفسي:"دفعة واحدة تقف وجها لوجه مع عبد الحق الخيام". تستجمع كل قواك، وترتب أوراقك، وتتوكل على الله. تراجع معداتك، وتبحث في كل صغيرة وكبيرة، هذا المكان إن خرجت منه لا يمكن أن ترجع إليه.
سألت رئيس التحرير عن الموضوع، قال لي لا عليك الأمر بسيط، عليك الاهتمام بالخيام فقط، صوره قليل جدا، المحجوزات تكون مدققة وواضحة، ثم بالمتهم إن سمح لكم بذلك. خرجنا من مقر الجريدة الموجودة بعمارة الأحباس، أمام فندق شيراتون الدار البيضاء، في الساعة العاشرة صباحا. أخذنا سيارة أجرة صغيرة إلى مقر الفرقة الوطنية بشارع ابراهيم الروداني.
وصلنا في الوقت المناسب. توجهنا إلى باب مقر الفرقة الوطنية. أعطيت بطاقتي الوطنية لمنير أبو المعالي، وبقيت في الخلف. طُلب منا أن نجلس بأحد المكاتب الجانبية، وتحديدا بجانب الباب الحديدي الكبير.
وبدأ ذهني يسترجع كل الحكايات الشعبية، المروية بسند أو بغير سند، أبرزها ''الداخل هنا مفقود والخارج منه مولود''. بعد دقائق سمح لنا بالدخول، توجهنا مباشرة الى مكتب رئيس الفرقة الوطنية، عبد الحق الخيام، بابتسامته العريضة ووجهه المشرق. سلم علينا بكل تواضع، وطلب منا الجلوس.
خوكم ساكت. يعني أنا فقط أستمع إلى كل ما يدور بين الصحافي منير، المتخصص في مجاله ورجل دولة محنك. كنت ألاحظه كيف يوزع بصره علينا، ومتى يرفع صوته ومتى يحرك يده، ومتى يضعها على فمه، وأذنه على راديو، وكيف يمتنع عن الكلام مع ابتسامة ماكرة يقول فيها، للصحافي لا تورطني. الكلمة الشهيرة التي يقول، المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ويضحك ضحكته.
وصل بعض الزملاء، وأصبحنا ثلاثة منابر فقط. سبق وطلب منا أن نتبعه إلى غرفة صغيرة، بها بعض المحجوزات، عبارة عن أوراق مكتوبة بخط اليد، على ما أتذكر، وبعض السكاكين، وقفاز، ومنظار بحالة جيدة، ومسدس وغطاء للرأس أسود يخفي الوجه.
قصتي مع الراحل الخيام ، بدأت هنا بالضبط. أثناء تصوير المحجوزات. كان عبد الحق الخيام من يقوم بالشرح، وأثناء شرحه سأله منير أبو المعالي هل فعلا يحسنون استعمال المسدس. وتوجه نحوي وهو جالس نصف جلسة على طاولة المحجوزات، وقف، ورفع يديه، كأنه يحمل مسدسا أثناء الطلق. فرفعت بصري نحوه، وأرسلت عليه، كردة فعل معاكسة، وابلا من الصور دون توقف.
قال لي وهو يبتسم ماذا تفعل، قم بتصوير المحجوز، لا أنا. أول تجربة رسمية، وقعت في هذا الموقف، ماذا أفعل؟. حين ابتسم، ابن درب السلطان، قال لي بصحتك، تنفس الصعداء، من الخوف والارتباك، لم أرجع إلى الصور، ولم أفتش، هل كانت وفق المعاير، أم لا؟ رجعت أدقق في المحجوزات، إلى أن غادرنا المكان. لم يكلمني في الموضوع. فاكتشفت فيه الرجل المهني، المحب لوطنه، طيب القلب، يقدر عمل الآخرين.
نشرنا الموضوع بجريدتنا، أخبار اليوم، ولم ينشروا الصورة، التي بقيت عندي في الأرشيف. كما تعلمون، صوره كانت نادرة في تلك الأثناء، إلا عند كبار المصورين. وفي وقت لاحق، اتصل بي الصديق والزميل، سيدي محمد البوناجي، يطلب مني صورة للسيد عبد الحق الخيام، تريدها أسبوعية لكي تضعها في الصفحة الأولى كغلافا؛ "كوف". أرسلتها له، كانت الصورة جميلة لعبد الحق الخيام وهو بقميص وردي وملامح وجهه صارمة. يصوب يده كأنه يحمل مسدسا.
مرت الأيام، التقينا، عندما كان صاحب الجلالة الملك محمد السادس يريد استقبال فريق الرجاء البيضاوي، إثر تألقه في كأس العالم للأندية سنة 2013، بمطعم حلبة سباق الخيل بوسط المدينة. قمت أنا و بوناجي للسلام عليه. فعرفنا بنفسنا، إذ قال محمد بوناجي مجلة « le temps » ، فابتسم وقال له أنت من صورتني تلك الصورة بالقميص الوردي، ما زلت أحتفظ بها بمكتبي حتى اليوم.
فضحك بوناجي وقال له، لا، لست من صورك، إنه هو. يعني أنا. فقال الراحل الخيام، عفريت صيدتيني، أين ومتى؟ فأعدت له الحكاية. فضحك ضحكته الشهيرة، وأخدنا له صورة أخرى، وقلنا له صورك قليلة جدا. فقال خذوا راحتكم.
لم تنته القصة هنا، فقد كان لنا معه، رحمة الله عليه، لقاءات أخرى، بمقره الجديد بسلا، إلى حين إعفائه، ليصبح مستشارا للمدير العام للأمن الوطني.
نعم الرجل هو سيدي عبد الحق الخيام.