الدولية للاعلام
الاربعاء 20/02/2019
لا شك أن المجتمع الريفي والقطاع الزراعي برمته يعتبر أساس عملية التنمية خاصةً في الدولة التي تأسست حضارتها علي الزراعة، ويعاني الريف المصري طوال العقود الماضية من التهميش والإهمال، ما تسبب في تردي أوضاع هذا المجتمع وترسخت به العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وعلي رأسها الفقر والبطالة وتدني الخدمات الصحية والعلمية، وكذلك التزايد المستمر في الفجوة بين الريف والحضر في الخدمات العامة المقدمة وفرص التوظف وغيرها
وتأثر الريف المصري بالتحولات السياسية والاقتصادية العديدة خلال السنوات الماضية، وعلى رأسها سياسات الانفتاح الاقتصادي في الثمانينات وسياسات التحرر الاقتصادي في التسعينات، وما لحقها من قرارات خلال بداية الألفينات كإلغاء الدورة الزراعية وغيرها من القرارات، وتباينت أثار تلك التحولات علي الريف المصري بين الإيجاب والسلب إلا أن الأثر النهائي لتلك التحولات كان في غير مصلحة المجتمع الريفي، حيث زادت من سوء أوضاعهم ما دفعهم للهجرة داخلياً وخارجياً للبحث عن مستوى معيشة أفضل
وجاءت ثورة 25 يناير بما تحمله من وعود سياسية بتحسين أوضاع الريف تحديداً، وإعادة بناء الحضارة الزراعية، إلا أن الواقع جاء مخالفاً لذلك، فما زاد الوضع إلا سوءاً كنتيجة للتوجهات الاقتصادية والسياسية التي لحقت بالثورة التي امتد تأثيرها السلبي علي البلاد كافةً، وتسعي الدراسة إلي الوقوف على أوضاع المجتمع الريفي كمحاولة للفت الانتباه إلى جزء من الدولة المصرية طالما كان مهمشاً كشأن باقي الدولة
أهم التغيرات التي تعرضت لها الزراعة المصرية
انقلب وضع الزراعة المصرية عبر التاريخ، فمن إنتاج يحقق فائض إلي إنتاج يتصف بالعجز وعدم القدرة علي تغطية الطلب المحلي ومن صادرات توفر ملايين الدولارات إلي استيراد أكثر من 60% من احتياجاتنا الغذائية طبقاً لاتحاد الغرف التجارية، ولا يعود ذلك إلى تراجع الإنتاجية أو انخفاض الموراد الزراعية بينما يعود في الأساس إلي إهمال الدولة لقطاع الزراعة وزيادة السكان بشكل كبير دون زيادة الموارد الغذائية بشكل مكافئ لزيادة السكان
ومنذ النصف الثاني لعقد الثمانينات وتحديداً عام 1986 وعقد التسعينات وبداية الألفينات شهدت الزراعة المصرية العديد من التحولات في أساليب إدارتها التي كانت إلي حد كبير تتوافق مع الاتجاهات العامة للاقتصاد القومي، ومنها:
• تحرير نمط الإنتاج الزراعي ليصبح موجهاً بفعل قوى العرض والطلب فقط وليس بتوجيه مباشر من الدولة بحيث أصبح للمزارع حق اختيار نوع المحصول ومساحته بما يحقق أكبر عائد
• تحرير أسعار السلع الزراعية لتحدد أيضاً وفقاً للعرض والطلب وكذلك تحرير أسواق السلع الزراعية بحيث أصبح المزارع غير ملتزم ببيع محاصيله لجهات محددة
• تحرير مصادر التمويل والاستثمار بحيث أصبحت الدولة غير ملتزمة بتمويل المزارعين وتحول بنك الائتمان الزراعي الذي طالما كان الممول الرئيسي لقطاع الزراعة في مصر إلى بنك تجاري يقدم القروض للمزارعين بأسعار الفائدة المتاحة في السوق
وجاءت غالبية تلك التغيرات بأثار سلبية على المزارع والقطاع الزراعي برمته، حيث توقفت الدولة بشكل شبه كامل عن إمداد المزارعين بالموارد المالية والزراعية اللازمة ما كان سبباً في تدهور القطاع بهذا الشكل
أوضاع القطاع الزراعي قبل وبعد ثورة يناير
يمكن تحليل أوضاع القطاع الزراعي من خلال عدة جوانب، مثل:
مساحة الأرض الزراعية
يعتمد الإنتاج الزراعي بشكل أساسي علي مساحة الأرض المزروعة وكذلك حجم الاستثمار الزراعي، والنقص في المساحة المزروعة يؤثر كذلك على التركيب المحصولي للدولة
إجمالي المساحة المزروعة خلال الفترة من 2005 إلى 2016 بالألف فدان
السنة إجمالي المساحة المزروعة % الأرض الزراعية
2005 5358 3.54
2006 8411 3.55
2007 8423 3.55
2008 8432 3.56
2009 8783 3.71
2010 8741 3.69
2011 8619 3.64
2012 8799 3.71
2013 8954 3.78
2014 8916 3.76
2015 9096 3.84
2016 8961 ــــ
المصدر/ مصر في أرقام، مارس 2018، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء https://goo.gl/yndSXn
خلال الفترة من 2005 إلى 2009 ازدادت المساحات المزروعة من الأراضي، بينما انخفضت خلال العامين 2010 و 2011 تأثراً بأحداث الثورة وعاودت الزيادة من 2012 حتى 2016
وطبقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد انخفضت مساحة الأراضي المستصلحة خلال العامين 2013 و2014، حيث أنها في عام 2008 كانت تبلغ 2.1 ألف فدان ثم تناقصت في 2009 إلى 0.7 ألف فدان وفي العامين 2013 و2014 انخفضت إلى 0.5 و 0.4 ألف فدان علي التوالي ثم ازدادت في 2015 إلى 2.4 ألف فدان ويقدر إجمالي الانخفاض في المساحة المنزرعة بحوالي 100 ألف فدان سنوياً خلال سنوات الانخفاض
الإنتاجية الزراعية:
تباينت كمية الإنتاج السنوي من أهم المحاصيل الزراعية خلال الفترة بين الزيادة والنقصان، ويعود ذلك للعديد من العوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية كتغيرات الظروف المناخية وظروف الري وغيرها ونجد كذلك ازدياد الكميات المنتجة من محاصيل القمح والأرز والذرة في الفترة بعد الثورة عن ما قبل الثورة حتي تناقصت كمياتهم المنتجة في السنوات الأخيرة
الإنتاج السنوي لأهم المحاصيل الزراعية خلال الفترة من 2005 إلي 2016
بالألف طن
السنة القمح القطن الأرز الذرة الشامية الفول قصب السكر
2005 8141 644 6124 6366 413 16317
2006 8274 600 6744 5708 384 16656
2007 7379 621 6868 5572 428 17014
2008 7977 318 7241 5623 352 16470
2009 8523 281 5518 5802 553 15482
2010 7177 378 4327 6365 340 15709
2011 8371 635 5665 5027 255 15765
2012 8795 294 5897 6217 193 15550
2013 9461 253 5717 5788 223 15780
2014 9280 308 5460 5711 174 16055
2015 9608 160 4818 7803 120 15009
2016 9343 ــــ 5309 7818 119 ــــ
المصدر/ كتاب الإحصاء السنوي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أعداد مختلفة https://goo.gl/yndSXn
وبشكل عام نجد أن كمية الإنتاج الزراعي والغذائي المنتجة انخفضت في الفترة بعد ثورة يناير عن ماقبل الثورة حيث بلغ الإنتاج الزراعي خلال العامين (2010، 2011) ما يبلغ ( 144.8، 156.4) مليون طن وانخفض خلال الأعوام (2012 و 2013 و2014 و2015) إلي (103.2، 103.1، 105، 103.8) مليون طن.
كذلك الحال بالنسبة للإنتاج الغذائي فقد إنخفض من (151.3، 160.8) مليون طن خلال العامين 2010 و 2011 إلى (104.6، 105.6، 107.9، 108.6) خلال الأعوام التالية لعام الثورة، ويعود ذلك الانخفاض بشكل أساسي إلى سوء الأوضاع الاقتصادية في فترة ما بعد ثورة يناير وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي في الوقت الذي انعدم فيه الإعانات المقدمة للقطاع الزراعي من قبل الدولة.
إجمالي كمية الإنتاج الزراعي والغذائي خلال الفترة من 2003 إلى 2015 بالمليون طن
المصدر/ كتاب الإحصاء السنوي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أعداد مختلفة https://goo.gl/yndSXn
ما نتج عنه انخفاض متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك السنوي من الإنتاج الحيواني والنباتي في الأعوام التالية لثورة يناير كما يوضحه الجدول التالي
متوسط نصيب الفرد من الإنتاج النباتي والحيواني فترة ما بعد الثورة (بـ الكيلو جرام)
2013 2014 2015 2016
الإنتاج النباتي 505.7 499.4 500.2 470
الإنتاج الحيواني 85.7 83.4 81.4 74.1
المصدر/ مصر في أرقام، مارس 2018، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاءhttps://goo.gl/yndSXn
الاكتفاء الذاتي والفجوة الغذائية
الاكتفاء الذاتي هو قدرة الدولة علي تغطية احتياجاتها من خلال إنتاجها المحلي، وحتي بداية الستينات لم تكن تعاني مصر من عجز غذائي باستثناء القمح، ومع بداية السبعينات دخلت عدة سلع أخرى ضمن دائرة العجز الغذائي، أهمها العدس والفول والزيوت النباتية واللحوم الحمراء، والجدير بالذكر أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من كل السلع هو أمر غير منطقي ولا يمكن تحقيقه في أي دولة ولكن كلما استطاعت الدولة تحقيق معدلات عالية من الاكتفاء الذاتي في محاصيلها الاستراتيجية كلما انخفض عجز الميزان الغذائي وتحسن وضع ميزان المدفوعات.
وبشكل عام يلاحظ انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع في الفترة ما بعد ثورة يناير عن فترة ما قبل ثورة يناير، فمثلاً في عام 2009 بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي للقمح 58.4% كنسبة من إجمالي الكمية المستهلكة من السلعة، وفي عام 2011 انخفضت النسبة إلى 49.6% وفي عام 2016 بلغت 47.7%، كذلك الحال لباقي السلع، ويمكن إرجاع ذلك بصفة أساسية إلي زيادة الكمية المستهلكة من السلعة دون تحقيق زيادة مكافئة في الإنتاج المحلي خاصةً مع ارتفاع تكاليف إنتاج وزارعة السلع بعد الثورة فمثلاً ارتفعت تكاليف إنتاج فدان القمح في عام 2012 عن عام 2009 في المتوسط 677.5 جنيه لكل فدان، كذلك نجد الأرز ارتفع تكاليف إنتاجه في نفس الفترة بحوالي 755 جنيه لكل فدان، ما تسبب في عدم زيادة الكمية المنتجة محلياً بما يعادل الزيادة في الكمية المستهلكة ما تسبب في انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي وكذلك الحال لأغلبية المحاصيل.
نسبة الاكتفاء الذاتي لبعض السلع الغذائية خلال الفترة من 2009 إلى 2016
المنتج 2009 2010 2011 2012 2013 2014 2015 2016
القمح 58.4 47.9 49.6 56.2 56.7 52.1 49.1 47.7
الذرة الشامية 61.8 60.7 51 51.4 56.8 65.1 56.2 56.3
الأرز 111.6 116.2 98.3 103.4 108.8 100.4 102.6 99.7
اللحوم الحمراء 88.8 83.9 82.8 85.7 74.3 71.9 57.5 64.6
الدجاج 97.1 96.6 95.9 95.9 94.1 94.8 93 93.7
الأسماك 86.5 88.1 89.3 85.5 88.9 87 89 90.1
المصدر/ المصدر/ كتاب الإحصاء السنوي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أعداد مختلفة https://goo.gl/yndSXn
فجوة التجارة الخارجية للسلع الزراعية
وفقاً لأحدث بيانات صادرة عن وزارة الزراعة المصرية، بلغ متوسط قيمة الصادرات الزراعية في مصر عامي 2009 و2010 حوالي 19.972 مليار جنيه وارتفع هذا المتوسط إلى 21.642 مليار جنيه خلال عامين 2011 و2012، كذلك ارتفع متوسط قيمة الواردات الزراعية من 44.782 مليار جنيه خلال عامين 2009 و2010 إلى 77.968 مليار جنيه خلال 2011 و 2012، وبذلك ارتفعت قيمة فجوة التجارة الخارجية الزراعية من 24.8 مليار جنيه كمتوسط عامي 2009 و2010 إلى 38.3 مليار جنيه كمتوسط عامين 2011 و2012 وتقدر نسبة الزيادة بحوالي 154%. كذلك ارتفعت قيمة فجوة التجارة الغذائية خلال نفس الفترة من 22.6 مليار جنيه إلى 51.4 مليار جنيه بنسبة زيادة بلغت 228%، وبذلك يتضح أنه علي الرغم من الاتجاه الصاعد للصادرات الزراعية والغذائية إلا أن الزيادة في الواردات كانت تفوق زيادة الصادرات بشكل كبير ما أدى إلي تزايد فجوة التجارة الزراعية والغذائية خلال الفترة ما بعد ثورة يناير ويعود ذلك بشكل أساسي إلي تأكل قيمة الجنيه المصري بعد ثورة يناير خاصة بعد قرار التعويم ما أدى إلي زيادة أسعار استيراد السلع الغذائية
الميزان التجاري الزراعي والغذائي قبل وبعد ثورة يناير
بالمليون جنيه
البيان 2009 2010 متوسط 2009-2010 2011 2012 متوسط 2011-2012
الصادرات الزراعية 18851 21092 19972 22670 20614 21642
الواردات الزراعية 38341 51223 44782 72363 83558 77968
الفجوة الزراعية
19490 30131 24811 49693 26944 38319
الصادرات الغذائية 18294 19402 18848 20898 19217 20058
الواردات الغذائية 35406 47510 41458 66481 76553 71517
الفجوة الغذائية
17112 28108 22610 45583 57336 51460
% تغطية الصادرات الزراعية للواردات الزراعية 49.2% 41.2% 44.6% 31.3% 24.7% 27.8%
نسبة تغطية الصادرات الغذائية للواردات الغذائية 51.7% 40.8% 45.5% 31.4% 25.1% 28%
المصدر/ نشرة التجارة الخارجية للمنتجات الزرعية، قطاع الشئون الاقتصادية، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي
التغيرات فى أوضاع التنمية البشرية فى الريف المصري قبل وبعد الثورة
ما زال الاقتصاد المصري يمر بعديد من التغيرات بعد ثورة 25 يناير 2011 مؤثرة في المجتمع المصري بمختلف جوانبه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولذلك كان لابد من الاهتمام بهذه الفترة الهامة في تاريخ المجتمع المصري، وكان لابد من التركيز على التغيرات التي حدثت فى نسيج الريف المصري الذي يمثل حوالي 57.1% من المجتمع المصري ومن خلال ما يلى سنتعرض لـ
التغيرات السكانية فى الريف المصري قبل وبعد ثورة يناير
تعد الطاقة البشرية هى أحد أهم الموارد الإنتاجية في آي دولة من دول العالم، وتعد ثروة في حالة واحدة إذا استطاعت الدولة التعامل مع هذه الموارد بما يساعد على إحداث تنمية، فلو نظرنا إلى عدد السكان خلال هذه الفترة، نجد حدوث ارتفاع من 76.9 مليون نسمة عام 2009 إلى 82.5 مليون نسبة عام 2012 بعد عام الثورة مباشرة، بزيادة قدرها 7.3%، ووصل الآن عدد السكان إلى ما يقرب من 90 مليون نسمة عام 2017، ويمكن من خلال الجدول التالي توضيح الفرق بين ما قبل الثورة وبعدها.
التغير في عدد السكان بين الريف والحضر قبل وبعد ثورة يناير
بالألف نسمة
بيان حضر % ريف % معدل النمو% الاجمالي
قبل الثورة 33083 43% 43842 57% 2% 76925
بعد الثورة 32373 42.9% 47177 57.1% 2.2% 82550
المصدر: الإحصاء العام للسكان، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2011 و2013.
https://goo.gl/4LybQE
أوضاع التنمية البشرية فى الريف المصري:
التنمية البشرية هي عملية توسيع خيارات الناس عن طريق توسيع الوظائف والقدرات البشرية ومن ثم تعبر التنمية البشرية عن النتائج البشرية التي تتحقق في هذه الوظائف والقدرات.
وهدف التنمية البشرية هو تهيئة بيئة تمكينية يتم الإتاحة من خلالها لتعزيز قدرات الناس وتوسيع نطاق الخيارات المتاحة لهم ولذلك لابد من إحداث تقدم فى مؤشر التنمية البشرية بالدولة.
ومن الواضح أن قيمة دليل التنمية البشرية على مستوى الوجهين القبلي والبحري ينخفض عن قيمة التنمية البشرية على مستوى الجمهورية؛ حيث أن قيمة دليل التنمية البشرية في الوجه القبلي 0.708 وهو ينخفض عن قيمة دليل التنمية البشرية في الوجه البحري التي تبلغ 0.743.
التغيرات في الهجرة الريفية قبل وبعد الثورة:
تعتبر الهجرة إحدى السمات الرئيسية للريف المصري حيث زيادة معدلات البطالة والفقر فى الريف عن الحضر بالإضافة لتهميش الحكومة للمناطق الريفية، ولذلك يضطر الأفراد للهروب من الريف إلى الحضر أو إلى خارج البلاد لتحسين مستويات المعيشة من خلال البحث عن فرصة عمل تحقق لهم دخول أفضل.
والهجرة بأنواعها تمثل تحدي أمام واضعي السياسات فى الدولة حيث أنها تخلق لهم عديد من المشكلات بالإضافة لما شهدته من توترات سيا