الثلاثاء 11 - 02 - 2020
الدولية للإعلام : بوخيرات البشير
بعيدا عن صخب المدينة و ضوضاء سكانها، شددنا الرحال بكيلومترات معدودة عن مدينة الجديدة عاصمة دكالة، موطن الأصالة و الكرم، في اتجاه دوار أغلب إن لم أقل جل سكانه عيونهم خُضْر و شعرهم أشهب و كأنهم ذوي جذور أوروبية، حيث كان لنا موعد مع ' دادة ' للحديث عن العيش بالدوار.
' دادة ' هذه، أطال الله عمرها، جدة تجاوزت الثمانينات، لا زالت تتمتع بكل قواها، و جهها تتوسطه وشمة زادتها بشاشة و جمالا، امرأة كريمة و مضيافة. ' دادة ' علاقتها بالأرض و الفلاحة و الرعي كعلاقة الأم بأبنائها، منذ أن وطأنا أقدامنا لم نر أزبالا مرمية و لا مكانا متسخا. أول من استقبلنا كلبان مربوطان الأول بسلسلة و الثاني بقنب، الأول يشبه الثعلب و الثاني كلب عادي ككل كلاب الدوار، و نباح الكلبين كان بمثابة إشعار ' دادة ' بقدومنا. لاحت لنا و كلمات الترحاب و الإبتسامة العريضة مرسومة على محياها و في يدها عصا تتكئ عليها و تخيف الكلاب بها.
بقلب كبير استقبلنا و بكلمات قل نظيرها في زمننا هذا رحبت بنا و دعتنا لشرب كأس شاي من نعناعها الذي زرعته بيدها في أرضها. منذ البداية كانت جلستها حافلة بالذكريات، و كنت فخورا بترجمة كلماتها النابعة من أعماق القلب و جذور الأرض. دقائق معدودة دخلت علينا ' دادة ' بالصينية و خبز الدار المصنوع من القمح و المطهي بفران الدار إلى جانب ذلك صحن فيه زيتون مرقد في زيت الزيتون و القزبر و التوم من صنع يديها.
أول ما استهلت به الحديث معنا هو كيف كانت الحطة و كيف أصبحت دارا، و هي تشير بيدها في كل مكان من الحطة، هذا المكان كان المرحوم زوجي يزرع فيه الفول، و هنا، مشيرة إلى الإصطبل، كانت عشرات الأبقار و الأغنام تعيش و وتنام، و هذا كان بيت الضيوف و بداخله مطبخ وهنا كنا ننام . و اليوم و بفضل أحفادي تطورت الأمور، أصبح عندي بيت التلفزة و المطبخ العصري و الثلاجة و أصبح لذي فران و حمام، إلا أنهم حرموني من تربية الأغنام و الأبقار.
مرت شهور و لم تبق قادر على الصبر و على العيش بدون أبقارها و أغنامها، و طيلة هذه المدة وفرت 2500 درهم، ففكرت في شراء و لو شاة لتربيتها كعادتي، و في يوم السوق الأسبوعي أعطيت ما وفرت لحفيدي و أوصيته بشراء شاة لتربيتها، و خرج إلى السوق متأخرا، فرجع لي بشاة مسنة هزيلة لا تصلح للرعي و لا للطهي، فمن كثرة غضبي عليه أمرته بالرجوع إلى السوق لإعادة بيعها، و قبل غروب الشمس رجع لي و في يده فقط 500 درهم، ثمن بيعها، فأديت ثمن الخسارة صمتا كي لا يضحك علي جيراني و أحفادي.
و محاولة منها لإدماج الأصالة بالحضارة و باستشارة من أحد أحفادها و بدعم من جميع أفراد العائلة اشترت خروفا و شاة و هما الآن تزوجا و أنجبا و هي الآن فرحة بخروفها الذي سيكون بحول الله كبش العيد.
و للإشارة و التلميح لقلب ' دادة ' الكبير المرح، فمنذ بداية زيارتنا قالت لنا : مرحبا بكم ، الدار داركم و ما اعتبروه ملكا لكم ما عدا خروفي و شاته و إبنهما.